''في يوم من الأيام جمع حكيم أولاده جميعاً ليعلمهم درساً من دروس الحياة، وقال لهم ائتوني بحزمة من الحطب، فلما أتوا بالحطب إليه أعطى كل واحد منهم عوداً من الحطب، وقال لهم اكسروا هذه الأعواد منفردين، فكسروها بسهولة وبيسر، فجمع الأحطاب جميعاً وجعلها في حزمة واحدة وطلب من كل واحد منهم أن يقوم بكسرها مجتمعة لا منفردة، إلا أنهم بذلوا بما يملكون من القوة والجهد فلم يستطيعوا كسرها. قال الأب: أتعلمون لماذا استطعتم أن تكسروا الأخشاب المنفردة ولم تستطيعوا كسرها وهي مجتمعة؟ فأجاب عن ذلك قائلاً: إن في الاتحاد قوة وفي التفرقة ضعف''. إنها قصة قصيرة وجميلة، لكنها ذات موعظة وعبرة كبيرة، وهو أن في الاتحاد قوة، والتفرقة والتشتت ضعف، ولن يقوي بناء أي وطن أو أي أمة إلا بتلاحم أبنائها وباتحادهم وبترابطهم، وهذا الأمر ليس بدعة وليس بحيلة، بل إنما هو من أساسيات الدين السماوي الحقيقي، الدين الذي يَجمع ولا يُفرق، يَبني ولا يهدم، وهذا الأمر دعت إليه الأمة الإسلامية في الكثير من المواقف القرآنية والمشاهد لأحاديث وسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وهذه المواقف والمشاهد ليس من أجل الدين وسنة نبيه بقدر ما هو من أجل الإنسان وكرامته وعزة نفسه، ومن ذلك.. النداء الذي وجهه سبحانه وتعالى إلى أبناء هذه الأمة في قرآنه المجيد (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا). وهذا رسول الله يبني أسس الدولة الإسلامية في المدينة المنورة بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، فهل من الصعب على شعب متحد في عبادته وقبلته وبشرائعه الإسلامية أن لا يَجد سبيلاً لتحقيق الوحدة في وطنه؟ أليست كل العبادات المفروضة علينا تعتبر من أسس الوحدة والدعوة إليها؟ لم يأت القرآن والسنة النبوية بأبجديات الوحدة من فراغ، فهي ليست فقط ضرورة دينية بل هي ضرورة حياتية، وتعتبر
وحدة الشعب في وطنه ووحدة الأمة في وطنها الكبير أحد المعالم الاستراتيجية التي تساهم في تحقيق التقدم والازدهار والريادة بين كافة مجتمعات الأرض، فتاريخنا العربي والإسلامي كان زاخراً بالتقدم في العلوم إبان العصر الزاهر للدولة العربية والإسلامية، وحقق الانتصارات العسكرية إبان الفتوحات الإسلامية في عصر الدولة الراشدية والأموية والعباسية، وأدخل الكثير من الأمم الأعجمية في صرح الدولة العربية، لذلك فإن أعداءنا فطنوا إلى أهمية هذه الوحدة، ومدى تأثير الاتحاد في تحقيق المعجزات، فعملوا على تمزيق هذه الأمة من خلال دبَّ الخلاف والتفرقة بين أبنائها، فتحولت القوة إلى ضعف، والمهابة والعزة إلى الذل والانكسار، وانتقلوا من مُقدمة الأقوام إلى مؤخرتها، فتسلط عليهم العدو من كل حدبٍ وصوب، فانحلت قوة الأمة ووهنت قواها. ونحن اليوم في مملكة البحرين لا نريد أن نعيش لحظات القوة والضعف، نعم هناك أخطاء تتطلب التصحيح، وهناك مطالب تتطلب التنفيذ بالعقل والحكمة، هناك أشياء كثيرة ولكن طريق حلها لا يكون فردياً بل جماعياً، الحل بنهج الفرقة والشقاق لا يُعتبر حلاً بل إنه زيادة في الفرقة ويؤدي إلى اتساع الانشقاق، والحل يتطلب الاتحاد معاً والجلوس معاً للتحاور ولمناقشة كل ما لدينا من الأمور بروية وبحكمة، مما يؤدي إلى تعزيز وحدتنا والمحافظة على تآلفنا ويبعدنا عن التفرقة والانشقاق، حتى لا نكون كتلك العصي المنفردة التي يسهل كسرها، وحتى لا نكون كالثيران الثلاثة (الأبيض والأسود والأحمر) الذي أكلهم الأسد الواحد بعد الآخر بعد أن تخلى كل واحدٍ منهم عن الآخر، وحتى لا نكون كالنمل الذي تفرق عن أقدام الفيل الذي استطاع أن يدهسها جميعاً دون رحمة، وحتى لا نكون أكثر من ذلك.. على أبناء الشعب البحريني الواحد: تعميق الإحساس بالوحدة الوطنية، فالوحدة الوطنية هي الأمل الوحيد بتخطي ما يحدث في وطننا البحريني، فنحن أبناء وطن واحد يجمعنا الدين السماوي، وصلة القربى والرحم، والعيش المشترك في أكثر من مدينة وقرية. تأليف قلوب المواطنين على قلبٍ واحد، فإن كانت أجسادنا متفرقة وهي القريبة فإن قلوبنا يجب أن تكون واحدة
لها نبض وطني واحد، تتعانق بحُب وتنفرُ من الحقد، الحب الذي يجمعها في وطن واحد، حيث تقوم بتنظيف سبيلها من الحقد والكراهية، فتأليف القلوب باب للأمن والسلام، وبذرٌ لثمره الوحدة الوطنية، ونورٌ يَمسح أجسادنا ليضيء حياتها. أن نصغي للعقل والحكمة، وهذا الأمر يتطلب الهدوء والتريث في كل أمر، بعيداً عن أي صراع واختلاف. فقد ميز الله سبحانه وتعالى الإنسان عن باقي الكائنات بالعقل الذي عليه أن ينتفع به، كما إن الحكمة هي وديعة لدى المؤمنين ومتى استخدموها وصلوا إلى مرافئهم آمنين. أن يفكر الإنسان في مصلحة وطنه أكثر بكثير من مصلحته الشخصية، فالوطن هو الكُل ونحن الجزء، فجميعنا (المواطنون) كأجزاء تتكون منها معالم الوطن، الوطن الذي يتطلب منا أن نعمل بجهد وبإخلاص، أن نؤمن بسيادته وبتحقيق أمنه وسلامته، الوطن الذي يجب أن يزدهر ويتقدم ويتطور ليس بأجسادنا بل بقلوبنا المؤمنة المجتمعة على حب الوطن أولاً، وحُبنا لبعضنا البعض ثانياً. إن لمؤسسات المتجمع المدني -من سياسية ومهنية وحقوقية- دوراً رئيساً في تحقيق الوئام والتآلف بين جميع أبناء البحرين، وهذا الأمر يتطلب أن يكون الوطن هو الأجندة الرئيسة والحقيقية لهذه المؤسسات لا تعمل فقط من أجل تحقيق أجندتها على حساب أجندة الوطن. إن المجتمع الآمن والذي يبتغي أن يعيش في دوحة السلام وبين دروبه يكون بالتآزر دون التشاجر، يتكاتف أبناؤه نحو بناء الوطن وبتعمير أرضه، المجتمع الذي يقول فيه الإنسان لأخيه الإنسان (لأن بسطت إليَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي لأقتلك إني أخاف الله)، إنه مجتمع الوحدة والاتحاد على خريطة وطن واحدة تاريخية وسياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية، عاملين بالقاعدة التي تقول (إن في
أعماق كل مشكلة نتربص على خريطة الاتحاد فرصة ذهبية). إن الدعوة للحوار الوطني الذي دعا إليه صاحب السمو الأمير ولي العهد الأمين هي الفرصة الذهبية التي يجب أن ينتهزها جميع أبناء الوطن ليعبروا عما يجيش في صدورهم من آلام وما يحملون بين جنباتهم من آمال، فرصة تحقق أحلام الكثير من أبناء الوطن وتحميه من المتربصين، دعوة سيحصد ثمارها جميع المواطنين وأبنائهم وأحفادهم حاضراً ومستقبلاً، فهذه الزهرة التي غرست إن لم نسقها بماء الوحدة والترابط الآن فإنها لن تنمو بل ستذبل وتموت، وهذا هو أمل المتربصين بنا وبوطننا البحريني المجيد. اليوم علينا جميعاً أن نسرع ونتحد لنسقي هذه الزهرة التي ستثمر قريباً، علينا باحتضانها وهي زهرة صغيرة لتصبح تالياً شجرة كبيرة نستظل بأوراقها ونستطعم من ثمارها، ونحن على ثقة كبيرة بأن جميع أبناء مملكة البحرين سيحتضنون هذه الزهرة وسيرعونها صغيرة ليستظلوا بها جميعاً وهي كبيرة، في واحة تسكنها الطمأنينة والاستقرار، وبدلاً من أن نبحث عن الوسادة التي سنموت عليها من جراء ما نعانيه من أمراض بعد استنزاف الأنين، علينا أن نشرب الدواء لعلاج ما ألم بنا وهو بين أيدينا، خاصة إننا لا نعرف يقيناً أيهما أطول عمراً نحن أم الأمراض،
اللهم اجمع بين قلوبنا ووحد أمرنا، آمين.